- قسوة الذكرى وعظمة الغائب ،،،

 

لـــــــــــو كــــــــــــان بعـــــــض الفـــــــــــــراق المــر ذاق الفــــراق                ما كـان اخــــــذ قلـــــب ابـــوك وراح بــــه يـــاشــهــــــد

من بعد ذيك العظيمة واسع الكون ضــــــــــاق                والصــــــــبر مـــــــــلّ وتعبــــــــــــت ومــــــا بــقـــــــــــى بــــــــي جهـــــد

 

احتضنت أصابعي قلمي وأنا لا أعلم ماذا سأكتب؟!

ليس لأنني أريد الكتابة لمجرد الكتابة .. ولكن ازدحمت المشاعر بشكل غير مرتب في قلبي لدرجة وجدت فيها أني أحتاج إلى أكبر من تلك المساحة الصغيرة لقلبي والتي ما عادت تحتمل ما نقشته في جدرانه براثن الذكرى بكل ما فيها من ألم ...

مرت سنوات ولا يزال الشوق فاضح!!

مرت سنوات ولم يبرح الألم يجاري إيقاع قلبي النازف بقسوة على من ذهب!!

لا أعلم كم من الوقت أحتاج كي يشد ألم الفراق رحاله؟!!

قتلتني لحظة الوداع الأليمة ، آلمتني سنين الفراق بعد رحيل تلك العظيمة!!

تمر ذكرى الرحيل المؤلم وخلفها الذكرى بمرور كل سنة على ذلك اليوم الكئيب ، وبين كل ذكرى وأخرى تتوالى ذكريات أبدعت ذاكرتي الانتقائية في حفظ تفاصيلها!!

مع تلك الذكريات المؤلمة للحظات سعيدة أجد نفسي أردد هل هي بالفعل رحلت؟!! .. هل تركتني؟! .. هل كان القدر قاسيا إلى هذا الحد؟! ... أستغفر الله وأتوب إليه .

مرت أيام وأيام -بكل ما تحمله من تفاصيلها من شوق إلى الغائبة التي لن تعود- وكل لحظة من تلك الأيام تؤكد أنها لن تعود ورحلة ذهابها هي رحلة أبدية لا رجوع بعدها ... لقد رحلت تلك الغائبة العظيمة ولسان حالها يقول لمن ودعتهم –وبنبرة تحدي- : لقد تركت لكم من الذكرى ما يجعل النسيان من المحال ، ودنياكم بعدي لن تكون كما كانت وأنا فيها ... .

كم هو مؤلم ذلك الفراق الذي لا لقاء بعده .. كم كان الفراق قاسيا وهو يختار من بين الطيبين أطيبهم ، ومن بين الأحبة أقربهم لقلوب محبيهم ...

لقد اختارك الفراق يانصفي الجميل وبقي نصفك الذي طالما افتخرتِ أنتي به ... بقي وهو يلتحف رداء الألم في دنيا لم تعد تعني له شيئا بعدك ... .

كم نزفت عيوني ألما واستغرابا وأنا أرى صغيرتنا وعلى صدرها تلمع تلك التعليقة المكتوب عليها: "لن أنساك يا أمي" .. هي تفتخر بك كحال كل من يعرفك وتعنين له أي شيء ولكن .. هل مثلك ينسى؟!!

ليس سرا ياغاليتي أنني كثيرا ما ألجأ إلى ذكراك عندما أجد نفسي مهموما موجوعا ... كما كنت ألجأ إليك عندما أمر بمثل هذه الحالة في الوقت الذي كنتي فيه بيننا .. لكن شتان بين حالي الآن وحالي عندما كنت أجدك ... شتان بينك وبين ذكراك ... ، كلاكما لا ينسى ولا تخطئه العين ولكن أنتي كنتي بلسما شافيا يداوي جرح قلبي .. والذكرى سما زعافا يقتلني ألف قتلة دون أن يحسن القتلة ... .

لا أعلم أين ستصل بي سيول الذكرى .. لكن أقول لتلك الذكرى سأضل -مختارا كنت أو مجبرا- أسيرا لما حكمت به علي ، محبا لمن يسكن تفاصيلك ، كارها لنسيانك .. .

كم كنتي قاسية أيتها الذكرى وكأنك تقتصين مني عما اقترفته من بعض حالات النسيان ، وجميع ما فيك يقول: هل هكذا تتعامل ذاكرتك مع من سكن قلبك؟!! .. هل هكذا تكون جاحدا مع من أسكنتك قلبها وسكنت قلبك والتي كان تفكيرها مشغول بك وفرحها يعكس نجاحك؟!!

عفوا أيتها الذكرى ، وتبا أيها النسيان ، وعذرا أيتها العظيمة .

وجود ذكراك أيتها الغائبة مع كل ما يحيط بها من ألم يشعرني بالطمأنينة ، ومجرد التفكير فيك يرسم على وجهي تلك الابتسامة التي طالما سعدتي بها  ، وتغرق عيوني بدموع الشوق واللهفة ، وتتكرر على لساني مقولة "للغايب عذر" .

 

أقول لك أيتها الغائبة العظيمة سيكون مكانك الدائم هو تلك القلوب التي طالما سكنت قلبك وتلك الأدعية التي لن يفارق اسمك كلماتها مع كل ساعة لجوء إلى الرحمن وفي كل سجود نكون فيه إلى المولى أقرب ... .

أقول لك أيتها الأميرة الرائعة الصغيرة حبيبة قلب والدك: إن كنتي اخترتي أن تضعي على صدرك تلك القلادة التي احتوت على وعد منك بعدم نسيان والدتك .. ففي صدر والدك قلبا اختارت والدتك بعظمتها أن يكون كل ما فيه ملكا لها وألا ينساها أبدا .. .

أعلم يقينا أن الدنيا لن تجمعنا ثانية لكن أملي في خالقي يتعاظم في أن يجمعنا بأحبتنا في الفردوس الأعلى ... .

هذا من عبث قلمي مع العذر

 

أنــــــــــــــــــــــ(الغريب)ــــــــــــــــــــــا